دينا محمود (لندن)
كشفت مصادر اقتصادية ومالية غربية النقاب عن أن شبح السجن لمدة تصل إلى 10 سنوات يهدد كبار المسؤولين التنفيذيين السابقين في مصرف «باركليز» البريطاني، ممن يمثلون أمام القضاء حالياً بسبب حزمة إنقاذ قطرية مشبوهة، حصل عليها المصرف قبل عقد من الزمان في غمار الأزمة المالية التي ضربت العالم في تلك الآونة.
جاء ذلك في اليوم الثاني من المحاكمة الجارية منذ الاثنين في لندن للمسؤولين الأربعة، على خلفية الحزمة التي بلغت قيمتها نحو 12 مليار جنيه إسترليني (16.6 مليار دولار)، وسعى «باركليز» من خلالها لتجنب مواجهة سيناريو التأميم الذي طال قبل 10 سنوات منافسيْه «لويدز بانك جروب» و«رويال بانك أوف سكوتلاند»، وذلك بعدما رفضت الحكومة البريطانية وقتذاك مد يد العون للمصرف العريق.
وتشمل المحاكمة، التي ينتظر أن تستمر أربعة أشهر على الأقل، جون فارلي الرئيس التنفيذي لـ «باركليز» وقت إبرام الصفقة مع «نظام الحمدين»، وروجر جينكنز الرئيس السابق لمجلس إدارة وحدة التمويل الاستثماري المختصة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بجانب توم كالاريس وريتشارد بوث، المسؤولين السابقين عن كلٍ من وحدتي إدارة الثروات ومجموعة المؤسسات الأوروبية في المصرف.
وأبرز موقع «بيزنس إنسايدر» الأميركي المعني بأنباء أسواق المال والأعمال في العالم كون هذا التحرك القضائي هو الأول من نوعه ضد قيادات بارزة في القطاع المصرفي في المملكة المتحدة، بشأن ما اتخذوه من قرارات وما أقدموا عليه من تصرفات خلال الأزمة التي بدأت عام 2008 واستمرت سنوات. وأشار في تقريرٍ إلى أن القضية التي جددت الشكوك حول الدور القطري المشبوه على الساحتين الاقتصادية والمالية البريطانية تشكل حدثاً بارزاً في ضوء ما قد ينجم عنها من صدور أحكام بالسجن بحق أبرز مسؤولين مصرفيين يمثلون أمام القضاء في بريطانيا لمحاكمتهم جنائياً بسبب الأزمة المالية العالمية.
وتم تحريك الدعوى القضائية الحالية بناءً على طلب من مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الكبرى في المملكة المتحدة، الذي أثارت تحقيقاته الشكوك في مدى مشروعية الصفقة التي أبرمت بين «باركليز» وجهات مرتبطة بالنظام الحاكم في الدوحة لتأمين حزمة الإنقاذ.
وكان بين هذه الجهات شركة «قطر القابضة»، وهي ذراع هيئة الاستثمار القطرية، وشركة «تشالنجر يونيفرسال المحدودة» القطرية أيضاً، والتي تُوصف بأنها الأداة الاستثمارية التابعة لحمد بن جاسم آل ثاني، الذي كان رئيساً لوزراء قطر خلال الفترة التي جرى فيها التفاوض مع مسؤولي المصرف البريطاني.
ويتهم المسؤولون الأربعة السابقون في «باركليز» - ثاني أقدم المصارف في بريطانيا على الإطلاق - بالتآمر لارتكاب جرائم احتيال من أجل بلورة الاتفاق مع النظام القطري للحصول على الحزمة المالية، التي أجرت السلطات البريطانية تحقيقات جنائية واسعة بشأنها منذ عام 2012، شملت 40 شخصاً، من بينهم 12 من كبار المديرين التنفيذيين للمصرف الذي أسس عام 1690.
ويشتبه مكتب مكافحة جرائم الاحتيال في أن المسؤولين المتهمين انتهكوا قانوناً معمولاً به في بريطانيا يحظر على الشركات المُسجلة في البلاد إقراض أموال تعود إلى خزائنها في نهاية المطاف عبر استخدامها لشراء أسهم في تلك الشركات نفسها، وهو ما يعرف باسم «المساعدة المالية». ويشكل التورط في هذه المخالفة بالتحديد محور تهم إضافية موجهة منذ نحو عامين إلى فارلي وجينكنز.
ومع بدء الجلسات قبل يومين، أنكر المتهمون ضلوعهم في الجرائم التي يقول المحققون البريطانيون إنها كانت تستهدف «حث المستثمرين القطريين على ضخ أموالهم لمساعدة المصرف»، من أجل تمكينه من تفادي تلقي المساعدات الحكومية، التي خشي مسؤولو «باركليز» السابقون من أن تقود لإضعاف مركز مصرفهم في الأسواق المالية العالمية.
وأشارت التحقيقات إلى أن المعاملات المشبوهة التي أجريت مع قطر في هذا الصدد، شملت تبديد ما يصل إلى 300 مليون دولار «دون الكشف عن تفاصيل هذا الأمر بالكامل، لا للجهات المنظمة للتعامل في الأسواق في بريطانيا ولا للمستثمرين الآخرين في المصرف. ويتعلق الأمر بقرض تبلغ قيمته 2.7 مليار جنيه إسترليني (أي ما يوازي ثلاثة مليارات دولار)، وافق مسؤولو «باركليز» أواخر عام 2008 على تقديمه إلى شركة «قطر القابضة»، وشكّل على ما يبدو جزءاً من صفقة جانبية، تم إبرامها لإتمام تفاصيل الاتفاق على حزمة الإنقاذ المالي للمصرف.
وكان القرار الخاص بمنح هذا القرض محوراً لاتهامٍ وجه مطلع العام الماضي إلى وحدة العمليات التابعة لـ «باركليز»، بالنظر إلى أن صدور ذلك القرار كان قد تزامن مع إقرار المصرف إبرام اتفاقياتٍ مثيرةٍ للجدل مع جهات قطرية تحت اسم «اتفاقات خاصة بخدمات استشارية»، بلغت قيمتها قبل 10 أعوام قرابة 322 مليون جنيه إسترليني (نحو 432 مليون دولار).
وتحظى المحاكمة التي يُنتظر أن تبدأ المرافعات الافتتاحية فيها من جانب ممثلي الادعاء ومحاميي الدفاع في 21 يناير الجاري باهتمام واسع النطاق من جانب الأوساط السياسية والاقتصادية في بريطانيا، في ضوء أنها تميط اللثام عن جانب من المحاولات القطرية المستميتة لتعزيز الروابط مع المؤسسات الفاعلة على مختلف الأصعدة في المملكة المتحدة، وذلك في إطار حملة حشد التأييد المكثفة التي أطلقتها الدوحة منذ فرضت المقاطعة على نظامها الحاكم قبل أكثر من 19 شهراً من جانب الدول العربية الداعمة لمكافحة الإرهاب (السعودية والإمارات ومصر والبحرين).
وفي سياق تغطياتها للمحاكمة المتعلقة بحزمة الإنقاذ القطرية، أفادت وسائل إعلام بريطانية بأن الجلسات التي ستواصل المحكمة عقدها حتى مايو المقبل على أقل تقدير، قد تكون حافلةً بالمفاجآت «المتفجرة»، حتى وإن كان مصرف «باركليز» نفسه كمؤسسة لا يواجه تهماً فيها.
وفي إشارة إلى ما صار مراقبون في لندن يصفونه بـ «لعنة قطر»، قالت هذه الوسائل، إن سيف السجن صار مسلطاً على أعناق المديرين التنفيذيين السابقين للمصرف البريطاني، ليكونوا في حالة إدانتهم «المصرفيين الوحيدين الذين يسجنون لأنهم جلبوا مُقرِضاً لمؤسستهم التي كانت على شفا الإفلاس».
ويتزامن إجراء المحاكمة مع تواصل الانتقادات التي يواجهها «باركليز» من جانب أوساط مصرفية عدة في المملكة المتحدة، بسبب لجوئه إلى قطر للحصول على دعم مالي منها، رغم كل ما يحيط بهذا البلد من اتهامات وشبهات. واعتبر الإعلام البريطاني أن حصول المصرف على أموال من «نظام الحمدين»، يتناقض مع «مبادئ الأمانة والنزاهة والتعامل الواضح الصريح»، التي كان يحرص عليها مؤسسوه عند إنشائه قبل نحو 330 عام.
وأكد محللون اقتصاديون في لندن أن من شأن الجدل المُثار حول التعاملات المالية التي جرت بين مصرف «باركليز» والنظام القطري قبل سنوات، التأثير سلباً على العلاقات بين هذا النظام والمؤسسات المالية البريطانية، والإضرار بفرص إبرام أي صفقات مستقبلية بين الجانبين. وتوقع المحللون أن يقود هذا الجدل إلى فرض مزيد من الرقابة على الصفقات التي تشارك فيها قطر في المستقبل سواء في المملكة المتحدة أو مع مؤسسات ومصارف بريطانية، وأن يفضي كذلك إلى أن تشوب هذه الصفقات والتعاملات التجارية تعقيداتٌ قانونية بالنسبة للدوحة.